فصل: الفائدة الخامسة: فوائد العبادة تورث الاشتغال بها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفائدة الخامسة: فوائد العبادة تورث الاشتغال بها:

اعلم أن من عرف فوائد العبادة طاب له الاشتغال بها؛ وثقل عليه الاشتغال بغيرها، وبيانه من وجوه: الأول: أن الكمال محبوب بالذات، وأكمل أحوال الإنسان وأقواها في كونها سعادة اشتغاله بعبادة الله، فإنه يستنير قلبه بنور الإلهية، ويتشرف لسانه بشرف الذكر والقراءة، وتتجمل أعضاؤه بجمال خدمة الله، وهذه الأحوال أشرف المراتب الإنسانية والدرجات البشرية، فإذا كان حصول هذه الأحوال أعظم السعادات الإنسانية في الحال، وهي موجبة أيضًا لأكمل السعادات في الزمان المستقبل، فمن وقف على هذه الأحوال زال عنه ثقل الطاعات وعظمت حلاوتها في قلبه.
الثاني: أن العبادة أمانة بدليل قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات} [الأحزاب: 72] الآية وأداء الأمانة واجب عقلًا وشرعًا، بدليل قوله: {إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأمانات إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وأداء الأمانة صفة من صفات الكمال محبوبة بالذات؛ ولأن الأداء الأمانة أحد الجانبين سبب لأداء الأمانة من الجانب الثاني؛ قال بعض الصحابة: رأيت أعرابيًا أتى باب المسجد فنزل عن ناقته وتركها ودخل المسجد وصلى بالسكينة والوقار ودعا بما شاء، فتعجبنا، فلما خرج لم يجد ناقته فقال: إلهي أديت أمانتك فأين أمانتي؟ قال الراوي فزدنا تعجبًا، فلم يمكث حتى جاء رجل على ناقته وقد قطع يده وسلم الناقة إليه، والنكتة أنه لما حفظ أمانة الله حفظ الله أمانته، وهو المراد من قوله عليه السلام لابن عباس: «يا غلام احفظ الله في الخلوات يحفظك في الفلوات».
الثالث: أن الاشتغال بالعبادة انتقال من عالم الغرور إلى عالم السرور، ومن الاشتغال بالخلق إلى حضرة الحق، وذلك يوجب كمال اللذة والبهجة: يحكى عن أبي حنيفة أن حية سقطت من السقف، وتفرق الناس، وكان أبو حنيفة في الصلاة ولم يشعر بها، ووقعت الآكلة في بعض أعضاء عروة بن الزبير، واحتاجوا إلى قطع ذلك العضو، فلما شرع في الصلاة قطعوا منه ذلك العضو فلم يشعر عروة بذلك القطع، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان حين يشرع في الصلاة كانوا يسمعون من صدره، أزيزًا كأزيز المرجل، ومن استبعد هذا فليقرأ قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف: 31] فإن النسوة لما غلب على قلوبهن جمال يوسف عليه السلام وصلت تلك الغلبة إلى حيث قطعن أيديهن وما شعرن بذلك، فإذا جاز هذا في حق البشر فلأن يجوز عند استيلاء عظمة الله على القلب أولى، ولأن من دخل على ملك مهيب فربما مر به أبواه وبنوه وهو ينظر إليهم ولا يعرفهم لأجل أن استيلاء هيبة ذلك الملك تمنع القلب عن الشعور بهم، فإذا جاز هذا في حق ملك مخلوق مجازى فلأن يجوز في حق خالق العالم أولى.
ثم قال أهل التحقيق: العبادة لها ثلاث درجات: الدرجة الأولى: أن يعبد الله طمعًا في الثواب أو هربًا من العقاب، وهذا هو المسمى بالعبادة، وهذه الدرجة نازلة ساقطة جدًا، لأن معبوده في الحقيقة هو ذلك الثواب، وقد جعل الحق وسيلة إلى نيل المطلوب، ومن جعل المطلوب بالذات شيئًا من أحوال الخلق وجعل الحق وسيلة إليه فهو خسيس جدًا.
والدرجة الثانية: أن يعبد الله لأجل أن يتشرف بعبادته، أو يتشرف بقبول تكاليفه، أو يتشرف بالانتساب إليه، وهذه الدرجة أعلى من الأولى، إلا أنها أيضًا ليست كاملة، لأن المقصود بالذات غير الله.
والدرجة الثالثة: أن يعبد الله لكونه إلهًا وخالقًا، ولكونه عبدًا له، والإلهية توجب الهيبة والعزة، والعبودية توجب الخضوع والذلة، وهذا أعلى المقامات وأشرف الدرجات، وهذا هو المسمى بالعبودية، وإليه الإشارة بقول المصلي في أول الصلاة أصلي لله، فإنه لو قال أصلي لثواب الله، أو للهرب من عقابه فسدت صلاته.
واعلم أن العبادة والعبودية مقام عالٍ شريف، ويدل عليه آيات: الأولى: قوله تعالى في آخر سورة الحجر: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ الساجدين واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} [الحجر: 97 99] والاستدلال بها وجهين: أحدهما: أنه قال: {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} فأمر محمدًا عليه الصلاة والسلام بالمواظبة على العبادة إلى أنه يأتيه الموت، ومعناه أنه لا يجوز الإخلال بالعبادة في شيء من الأوقات، وذلك يدل على غاية جلالة أمر العبادة، وثانيهما: أنه قال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} ثم إنه تعالى أمره بأربعة أشياء: التسبيح: وهو قوله فسبح؛ والتحميد: وهو قوله بحمد ربك؛ والسجود: وهو قوله: {وَكُنْ مّنَ الساجدين} والعبادة؛ وهي قوله: {واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين} وهذا يدل على أن العبادة تزيل ضيق القلب، وتفيد انشراح الصدر، وما ذاك إلا لأن العبادة توجب الرجوع من الخلق إلى الحق، وذلك يوجب زوال ضيق القلب.
الآية الثانية: في شرف العبودية: قوله تعالى: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] ولولا أن العبودية أشرف المقامات، وإلا لما وصفه الله بهذه الصفة في أعلى مقامات المعراج، ومنهم من قال: العبودية أشرف من الرسالة، لأن بالعبودية ينصرف من الخلق إلى الحق، وبالرسالة ينصرف من الحق إلى الخلق، وأيضًا بسبب العبودية ينعزل عن التصرفات، وبسبب الرسالة يقبل على التصرفات، واللائق بالعبد والانعزال عن التصرفات، وأيضًا العبد يتكفل المولى بإصلاح مهماته، والرسول هو المتكفل بإصلاح مهمات الأمة، وشتان ما بينهما.
الآية الثالثة: في شرف العبودية: أن عيسى أول ما نطق قال: {إِنّى عَبْدُ الله} [مريم: 30] وصار ذكره لهذه الكلمة سببًا لطهارة أمه، ولبراءة وجوده عن الطعن، وصار مفتاحًا لكل الخيرات، ودافعًا لكل الآفات، وأيضًا لما كان أول كلام عيسى ذكر العبودية كانت عاقبته الرفعة، كما قال تعالى: {وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} [آل عمران: 55] والنكتة أن الذي ادعى العبودية بالقول رفع إلى الجنة، والذي يدعيها بالعمل سبعين سنة كيف يبقى محرومًا عن الجنة.
الآية الرابعة: قوله تعالى لموسى عليه السلام: {إِنَّنِى أَنَا الله لا إله إِلا أَنَاْ فاعبدنى} [طه: 14] أمره بعد التوحيد بالعبودية، لأن التوحيد أصل، والعبودية فرع، والتوحيد شجرة؛ والعبودية ثمرة، ولا قوام لأحدهما إلا بالآخر، فهذه الآيات دالة على شرف العبودية.
وأما المعقول فظاهر، وذلك لأن العبد محدث ممكن الوجود لذاته، فلولا تأثير قدرة الحق فيه لبقي في ظلمة العدم وفي فناء الفناء ولم يحصل له الوجود فضلًا عن كمالات الوجود، فلما تعلقت قدرة الحق به وفاضت عليه آثار جوده وإيجاده حصل له الوجود وكمالات الوجود ولا معنى لكونه مقدور قدرة الحق ولونه متعلق إيجاد الحق إلا العبودية، فكل شرف وكمال وبهجة وفضيلة ومسرة ومنقبة حصلت للعبد فإنما حصلت بسبب العبودية، فثبت أن العبودية مفتاح الخيرات، وعنوان السعادات، ومطلع الدرجات، وينبوع الكرامات، فلهذا السبب قال العبد: {إياك نعبد وإياك نستعين}، وكان علي كرم الله وجهه يقول: كفى بي فخرًا أن أكون لك عبدًا، وكفى بي شرفًا أن تكون لي ربًا، اللهم إني وجدتك إلهًا كما أردت فاجعلني عبدًا كما أردت.

.الفائدة السادسة: انحصار المقامات في مقامي: معرفة الربوبية، ومعرفة العبودية:

اعلم أن المقامات محصورة في مقامين: معرفة الربوبية، ومعرفة العبودية وعند اجتماعهما يحصل العهد المذكور في قوله: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] أما معرفة الربوبية فكمالها مذكور في قوله: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يَوْمِ الدين} فكون العبد منتقلًا من العدم السابق إلى الوجود يدل على كونه إلهًا، وحصول الخيرات والسعادات للعبد حال وجوده يدل على كونه ربًا رحمانًا رحيمًا، وأحوال معاد العبد تدل على كونه {مالك يوم الدين}، وعند الإحاطة بهذه الصفات حصلت معرفة الربوبية على أقصى الغايات، وبعدها جاءت معرفة العبودية، ولها مبدأ وكمال، وأول وآخر، أما مبدؤها وأولها فهو الاشتغال بالعبودية وهو المراد، بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وأما كمالها فهو أن يعرف العبد أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله، فعند ذلك يستعين بالله في تحصيل كل المطالب، وذلك هو المراد بقوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ولما تم الوفاء بعهد الربوبية وبعهد العبودية ترتب عليه طلب الفائدة والثمرة، وهو قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} وهذا ترتيب شريف رفيع عالٍ يمتنع في العقول حصول ترتيب آخر أشرف منه.

.الفائدة السابعة: سر بناء الغيبة في الفاتحة:

لقائل أن يقول: قوله: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} كله مذكور على لفظ الغيبة، وقوله {إياك نعبد وإياك نستعين} انتقال من لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب، فما الفائدة فيه؟ قلنا فيه وجوه: الأول: أن المصلي كان أجنبيًا عند الشروع في الصلاة، فلا جرم أثنى على الله بألفاظ المغايبة إلى قوله {مالك يوم الدين}، ثم إنه تعالى كأنه يقول له حمدتني واقررت بكوني إلهًا ربًا رحمانًا رحيمًا مالكًا ليوم الدين، فنعم العبد أنت قد رفعنا الحجاب وأبدلنا البعد بالقرب فتكلم بالمخاطبة وقل إياك نعبد.
الوجه الثاني: أن أحسن السؤال ما وقع على سبيل المشافهة، ألا ترى أن الأنبياء عليهم السلام لما سألوا ربهم شافهوه بالسؤال فقالوا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} [الأعراف: 23]، و: {ربَّنَا اغفر لَنَا} [آل عمران: 147]، و: {رَبّ هَبْ لِى} [آل عمران: 38]، و: {رَبّ أَرِنِى} [الأعراف: 143] والسبب فيه أن الرد من الكريم على سبيل المشافهة والمخاطبة بعيد وأيضًا العبادة خدمة، والخدمة في الحضور أولى.
الوجه الثالث: أن من أول السورة إلى قوله إياك نعبد ثناء، والثناء في الغيبة أولى، ومن قوله {إياك نعبد وإياك نستعين} إلى آخر السورة دعاء، والدعاء في الحضور أولى.
الوجه الرابع: العبد لما شرع في الصلاة وقال نويت أن أصلي تقربًا إلى الله فينوي حصول القربة، ثم إنه ذكر بعد هذه النية أنواعًا من الثناء على الله، فاقتضى كرم الله إجابته في تحصيل تلك القربة، فنقله من مقام الغيبة إلى مقام الحضور، فقال: {إياك نعبد وإياك نستعين}.

.الفصل السادس: في قوله: {وإياك نستعين}:

معنى قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} اعلم أنه ثبت بالدلائل العقلية أنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله، ويدل عليه وجوه من العقل والنقل، أما العقل فمن وجوه: الأول: أن القادر متمكن من الفعل والترك على السوية، فما لم يحصل المرجح لم يحصل الرجحان، وذلك المرجح ليس من العبد، وإلا لعاد في الطلب، فهو من الله تعالى، فثبت أن العبد لا يمكنه الإقدام على الفعل إلا بإعانة الله.
الثاني: أن جميع الخلائق يطلبون الدين الحق والاعتقاد الصدق مع استوائهم في القدرة والعقل والجد والطلب، ففوز البعض بدرك الحق لا يكون إلا بإعانة معين، وما ذاك المعين إلا الله تعالى، لأن ذلك المعين لو كان بشرًا أو ملكًا لعاد الطلب فيه.
الثالث: أن الإنسان قد يطالب بشيء مدة مديدة ولا يأتي به، ثم في أثناء حال أو وقت يأتي به ويقدم عليه، ولا يتفق له تلك الحالة إلا إذا وقعت داعية جازمة في قلبه تدعوه إلى ذلك الفعل، فإلقاء تلك الداعية في القلب وإزالة الدواعي المعارضة لها ليست إلا من الله تعالى، ولا معنى للإعانة إلا ذلك.
وأما النقل فيدل عليه آيات: أولاها: قوله وإياك نستعين، وثانيتها: قوله: {استعينوا بالله} [الأعراف: 128] وقد اضطربت الجبرية والقدرية في هذه الآية: أما الجبرية فقالوا: لو كان العبد مستقلًا بالفعل لما كان للاستعانة على الفعل فائدة، وأما القدرية فقالوا الاستعانة إنما تحسن لو كان العبد متمكنًا من أصل الفعل، فتبطل الإعانة من الغير، أما إذا لم يقدر على الفعل لم تكن للاستعانة فائدة.
وعندي أن القدرة لا تؤثر في الفعل إلا مع الداعية الجازمة، فالإعانة المطلوبة عبارة عن خلق الداعية الجازمة، وإزالة الداعية الصارفة ولنذكر ما في هذه الكلمة من اللطائف والفوائد:
الفائدة الأولى: الاستعانة على العمل قبل الشروع فيه:
لقائل أن يقول: الاستعانة على العمل إنما تحسن قبل الشروع في العمل وهاهنا ذكر قوله إياك نعبد ثم ذكر عقيبه وإياك نستعين، فما الحكمة فيه؟ الجواب من وجوه: الأول: كأن المصلي يقول: شرعت في العبادة فأستعين بك في إتمامها، فلا تمنعني من إتمامها بالموت ولا بالمرض ولا بقلب الدواعي وتغيرها.
الثاني: كأن الإنسان يقول: يا إلهي إني أتيت بنفسي إلا أن لي قلبًا يفر مني، فأستعين بك في إحضاره، وكيف وقد قال عليه الصلاة والسلام: «قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن» فدل ذلك على أن الإنسان لا يمكنه إحضار القلب إلا بإعانة الله.
الثالث: لا أريد في الإعانة غيرك لا جبريل ولا مكائيل، بل أريدك وحدك وأقتدي في هذا المذهب بالخليل عليه السلام لأنه لما قيد نمرود رجليه ويديه ورماه في النار جاء جبريل عليه السلام وقال له: هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال: سله، فقال: حسبي من سؤالي علمه بحالي، بل ربما أزيد على الخليل في هذا الباب، وذلك لأنه قيد رجلاه ويداه لا غير، وأما أنا فقيدت رجلي فلا أسير، ويدي فلا أحركهما، وعيني فلا أنظر بهما، وأذني فلا أسمع بهما، ولساني فلا أتكلم به، وكان الخليل مشرفًا على نار نمروذ وأنا مشرف على نار جهنم، فكما لم يرض الخليل عليه السلام بغيرك معينًا فكذلك لا أريد معينًا غيرك، ف {إياك نعبد وإياك نستعين}، فكأنه تعالى يقول: أتيت بفعل الخليل وزدت عليه، فنحن نزيد أيضًا في الجزاء لأنا ثمت قلنا: {يانار كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} [الأنبياء: 69] وأما أنت فقد نجيناك من النار، وأوصلناك إلى الجنة، وزدناك سماع الكلام القديم، ورؤية الموجود القديم، وكما أنا قلنا لنار نمروذ: {يانار كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} فكذلك تقول لك نار جهنم: جز يا مؤمن قد أطفأ نورك لهبي.
الرابع: إياك نستعين: أي: لا أستعين بغيرك، وذلك لأن ذلك الغير لا يمكنه إعانتي إلا إذا أعنته على تلك الإعانة، فإذا كانت إعانة الغير لا تتم إلا بإعانتك فلنقطع هذه الواسطة ولنقتصر على إعانتك.
الوجه الخامس: قوله إياك نعبد يقتضي حصول رتبة عظيمة للنفس بعبادة الله تعالى، وذلك يورث العجب فأردف بقوله وإياك نستعين ليدل ذلك على أن تلك الرتبة الحاصلة بسبب العبادة ما حصلت من قوة العبد، بل إنما حصلت بإعانة الله فالمقصود من ذكر قوله وإياك نستعين إزالة العجب وإفناء تلك النخوة والكبر. اهـ.